سحب ورقة الوجود العمالي..
حلّ أزمة سنجار يفترض إرادة سياسية للتسوية بين بغداد وأربيل حولت الأجندات المحلية والإقليمية المتضادة قضاء سنجار في شمال غرب العراق إلى ساحة للفوضى والانفلات الأمني، وتحاول الحكومة المركزية في بغداد إعادة ضبط الوضع في القضاء لكن جهودها في حاجة إلى توافق بينها وبين أربيل. تقول أوساط سياسية عراقية إن قضاء سنجار القريب من الحدود السورية، والواقع ضمن محافظة نينوى في شمال غرب العراق، وعلى بعد نحو 115 كيلومترا غربي مدينة الموصل، يدفع اليوم ثمن موقعه الذي جعله قبلة لعناصر حزب العمال الكردستاني ومركز تنافس بين بغداد وأربيل، وتدافع بين إيران وتركيا. وتشير الأوساط إلى أن الاشتباكات التي تفجرت في القضاء مؤخرا بين الجيش العراقي وتشكيل مسلح ينتمي إلى عناصر من العمال يطلق على نفسه “وحدات حماية سنجار”، يحمل من حيث توقيته أكثر من دلالة لاسيما وأنه تزامن مع العملية العسكرية التركية “قفل المخلب” الجارية في شمال العراق والتي تستهدف عناصر العمال. وتوضح الأوساط أن تحرك الجيش العراقي ضد التشكيل الكردي يعكس توجه الحكومة المركزية لسحب ورقة الوجود العمالي في سنجار وغيره من المناطق العراقية من تركيا، وأيضا فرض السيطرة على القضاء بالكامل، في ظل نزاع حوله بين بغداد وأربيل. وأعلنت وزارة الدفاع العراقية الثلاثاء، أن قوات الجيش والشرطة تفرضان سيطرتهما على قضاء سنجار، بعد يوم من الاشتباكات العنيفة مع المسلحين الموالين للعمال خلفت قتلى وجرحى. وقال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة (تتبع الدفاع) اللواء تحسين الخفاجي، إن “أهالي القضاء كان لهم دور مهم في دعم القوات الأمنية بفرض السيطرة والأمان في سنجار”. وأكد الخفاجي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية (واع) “عدم وجود مظاهر مسلحة داخل قضاء سنجار باستثناء الجيش والشرطة المحلية”. وأضاف أن “البعض حاول إعاقة بعض الطرق الرئيسية، وأنه تم رفع هذه التجاوزات من خلال الجيش”. واندلعت الاثنين اشتباكات مسلحة بين قوات من الجيش العراقي ووحدات حماية سنجار، بعد طلب الجيش إخلاء موقع للمجموعة المسلحة، حيث قتل جندي وعنصران من الموالين للتنظيم الكردي. وكان قضاء سنجار المهمل لعقود قد اكتسب شهرة واسعة بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليه في صيف عام 2014، وتنكيله بأبناء الطائفة الإيزيدية، وقد منح غزو التنظيم الجهادي لسنجار، فرصة لحزب العمال الكردستاني لتعزيز حضوره في القضاء، من خلال “وحدات حماية سنجار” المنتمية شكليا إلى الحشد الشعبي، الذي يضم ميليشيات موالية لإيران. ورغم إعلان الحزب الكردي الذي يخوض تمرّدا على تركيا منذ عقود، عن انسحابه من مركز القضاء في العام 2018 وإعادة تموضع قواته في جبل سنجار، لكن حضوره ظل طاغيا من خلال تغلغله في الفضاء الإداري والأمني. وقد غذى الخلاف بين أربيل وبغداد هذا الحضور ما منح تركيا ذرائع جديدة للتمدد في المنطقة، ويريد قادة إقليم كردستان ضم هذا القضاء إلى باقي محافظات الإقليم وهو ما ترفضه الحكومة المركزية في العراق. وتوصلت بغداد وأربيل في التاسع من أكتوبر 2020، إلى اتفاق لتطبيع الأوضاع في سنجار ينص على إدارة القضاء من النواحي الإدارية والأمنية والخدمية بشكل مشترك، لكن هذا الاتفاق ظل معلقا. وتوجد حاليا إدارتان محليتان لسنجار، إحداهما تم تعيينها من قبل الحكومة الاتحادية، والثانية هي الحكومة المنتخبة والتي تقوم بتسيير أعمالها من محافظة دهوك. ويرى مراقبون أن مشكلة قضاء سنجار تحمل بين طياتها تعقيدات كثيرة، حيث إنه إلى جانب الخلاف بين بغداد وأربيل والوجود العمالي فهو ساحة للتنافس بين تركيا وإيران. ويشير المراقبون إلى أن تركيا تعمل على استغلال وجود العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابيا للتغلغل في شمال العراق، بما يشمل سنجار، في المقابل فإن إيران تنظر للقضاء كموقع استراتيجي ضمن مشروعها التوسعي والهادف إلى ربطها جغرافيا بسوريا فلبنان. ويلفت المراقبون إلى أن سنجار اليوم أحد مراكز تهريب الأسلحة والمخدرات من وإلى سوريا، وهو أحد معاقل بعض الميليشيات الموالية لطهران، وبالتالي فإن حلّ عقدة هذا القضاء يستوجب إرادة سياسية قوية من بغداد ورغبة جدية من أربيل للتوصل إلى تسوية توافقية، خلاف ذلك فإن الأزمة ستبقى مستمرة. ويشكك المراقبون في قابلية قادة إقليم كردستان، للتسوية مع بغداد، حيث إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يرى في الفوضى والانفلات الأمني الحاصل في سنجار، أرضية لفرض رؤيته بشأن ضم القضاء. وأعلن تحالف “تقدم” بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الثلاثاء، أن الوضع في قضاء سنجار “لا يمكن السكوت عليه” ويجب التحرك حكوميا ونيابيا. وقال النائب عن نينوى مزاح أحمد الخياط لوسائل إعلام عراقية “أرى أن الحل الوحيد هو تطبيق اتفاقية بغداد وأربيل لأن ما يجري اليوم يعيد سكان سنجار إلى مشهد المعاناة التي بدأت منذ ثماني سنوات”. وشدد النائب عن تحالف “تقدم” أن “هيبة الجيش يجب أن تكون هي السائدة، لأنه يمثل العراق وهيبته والقانون العراقي، ويجب أن يوضع حدّ لمسلسل الاعتداءات على قوى الدولة الأمنية، ويجب أن ينتهي ملف تواجد حزب العمال الكردستاني ومن يناصره في سنجار”. وبيّن الخياط أنه “دون إنهاء هذا الملف لن تحظى سنجار بأي أمان، ولن تنتهي الأزمات فيها، لأن المتضرر الأول والأخير من كل ما يجري هم نازحو سنجار سواء كانوا من المسلمين أو الإيزيديين”. وأعلنت مديرية مركز تنسيق الأزمات في وزارة داخلية إقليم كردستان الثلاثاء، عن نزوح أكثر من 700 أسرة من قضاء سنجار جراء أحداث الاثنين والاشتباكات التي وقعت بين الجيش العراقي ووحدات حماية سنجار (اليبشه). هادي تعز إيران الحشد الشعبي..
اليوم الثامن