لالش، لالشنا الكوردي، لالش الكوردي الإيزيدي، العريق باسمه، الحامل للمحبة والصفاء. وهو في معناه يجسّد النور، مثل أي مركز ديني، ينير القلوب، ويبدّد الظلمات. والذي أبصر النور في يوم مبارك مثل اسمه، يوم عظيم ومقدّس كغيره من المراكز الدينية في العالم، في دهوك، بتاريخ 12-5-1993، أي قبل ثلاثة عقود زمنية تقريباً. مثّلَ في الإعلان عن إعلان اسمه في موقع اعتباري كبير في قلب دهوك، في صرح هندسي جميل هو ” مركز لالش ” الذي يضم إليه كل ما يتعلق بشؤون الإيزيدية : دينياً، اجتماعياً، سياسياً، ثقافياً وتاريخياً…إلخ، كان في إعلان تسميته نصراً كوردياً وإيزيدياً، نصراً للإيزيدي الذي طال انتظاره بفضل الحريصين عليه في المجتمع الكوردستاني، وفي الواجهة دعم الرئيس بارزاني، وكذلك السيد نيچيرڤان بارزاني، تعبيراً عن التقدير والاحترام لكل مكوّن اجتماعي وديني في الإقليم. وبالنسبة إلى مركز لالش، للتعبير الصادق عن الحب القويم بين الإيزيدياتية والكوردياتية، وهو يوسّع كما يزيد أنشطته ويعمقها .
يمكن الحديث عن التحديات التي واجهت نشوءه، عندما ننظر في الواقع السياسي الكوردي، وما عاناه شعبنا الكوردي، والإيزيدية في الصميم كثيراً جرّاء المظالم التي تعرضوا لها على أيدي أعدائه، وفي العراق بالذات ” مظالم الطاغية صدام حسين وأعوانه خاصة ” والضحايا التي قدَّمها هذا الشعب الصامت، وهو يصر على ضرورة الاعتراف به شعباً مستقلاً بقوميته، بلغته، وتاريخه، وجغرافيته كذلك. مؤكداً أن الحق لا يموت ما دام هناك من يطالب به .
نتحدث في هذه الحلقة عن أهمية هذا المركز للكوردي عموماً، وللكوردي الإيزيدي خصوصاً، من الناحية الدينية. أي حين نشير إلى الاختلافات بين الإديان وعلاقتها بمن يمثّلونها .
هناك أديان تعبّر عن شعب قائم بذاته، ويكون نابعاً من صميم تاريخه، وثقافته وبيئته كذلك، وما الديانة الإيزيدية، إلا الديانة المعروفة عنها بأنها من بين أعرق الديانات في التاريخ، وكل من يقرأ تاريخ الإيزيدية، كما هو متوفر في كتب كثيرة تتناول هذا الجانب، سوف يرى صحة ذلك.
الإيزيدية ديانة كوردية في أساسها، ويعني ذلك، أن كل ما يمثّله الإيزيدي من معتقد إيماني، ومن ثقافة، ومن سلوك شعائري وطقوسي، وفي مناسبات مختلفة، إنما يرتبط بشخصيته، وهذه ببيئتها. أي إن الإيزيدية ظهرت تعبيراً عن حاجة الكوردي عموماً والإيزيدي خصوصاً إلى تلك العلاقات التي تجعل مجتمعه أكثر قوة وأكثر تعبيراً عن أواصر القربى، وحتى ارتباطاً بخالق واحد للكون، فالإيزيدي إنسان توحيدي، وينبني إيمانه على حب الآخرين وحبه لغيره، وهو حب أساسه الاحترام والتقدير للآخر في عقيدته، فلماذا لا تكون له عقيدته المستقلة بالمقابل ؟
واليوم، تظهر الحاجة إلى الدين بشكل ملحّ، كما نلاحظ ذلك في العلاقات التي تقوم بين أبناء المجتمعات البشرية، وما يُكتَب في هذا المجال، ومن قبل كتّاب كبار، تأكيد، على أن الدين الفعلي يوسّع معارف الإنسان ويعمقها، ونظرته إلى الكون، وإلى ما وراء المحسوس، بالنسبة إلى خالقه .
وفي مركز لالش هذا، حيث سيحتفى بمرور 29 عاماً على إنشائه في 12-5-2022، يكون لهذا الاحتفاء ذلك الإخلاص له، إنما أيضاً التأكيد على مكانته ودوره في تقوية الروابط، لأن الدين لا يتوقف تأثيره على تقوية العلاقات داخل المجتمع، وإنما إلى الأبعد من ذلك، حيث تكون قيمة إيمانية وروحية تشد أفراده إلى بعضهم بعضاً، وكذلك، تعرّفهم باختلافهم عن الآخرين، وتقديرهم لهم. ألا يقولون: الدين لله والوطن للجميع ؟ هكذا يعلّم مركز ملؤه النور، وجوهر نشوئه المحبة، ومقصده الخير والسلام، يعلّم الإيزيدي كيف يحارب الشر في نفسه وفي غيره .
والذي لا يُشك فيه، هو أنه رغم الظروف الصعبة التي يعيشها العالم، والمنطقة، وبالنسبة إلى شعبنا الكوردي، وما عاناه الإيزيدي من فرمان داعش الرهيب ( مطلع آب 2014 )، وأن هذه المعاناة لا تزال مستمرة والمخاوف قائمة، إلا أن وجود مركز ديني وثقافي كهذا، يشد إليه الإيزيدية في الداخل والخارج، ومن أجل وحدتهم، وسلامتهم، والحرص عليهم، ومن خلال أنشطة مختلفة : ثقافية واجتماعية وتنويرية على مدار العام، يشكل مصدر أمان، ومبعث راحة روحية ونفسية، لتقوية الروابط بالوطن وبأرض الأجداد، والدفاع عنها .
لهذا ، نقول، نعم، لالش، لالشنا الكوردي- الإيزيدي الذي انتظرناه طويلاً، قد علا صرحه، ولالشنا الذي نحتفي سنوياً بمناسبة نشوئه، مستعيدين ما هو مفرح لنعمقه، وما هو مؤلم لنتجاوزه، هو مكسبنا الكوردي، الكوردستاني، وكذلك الإيزيدي، وأعداؤنا: أعداء الكورد عموماً يعرفون ذلك جيداً.
وهو ما يدفع بنا كإيزيديين خاصة، لأن نكون أكثر حرصاً عليه، ومعرفة لهذا الواجب الديني، والاجتماعي، والثقافي والقومي كذلك، وبه نكون أقوى فأقوى، وبه تقوى إيزيديتنا !