خلقت الأزمة التي يعيشها النظام السياسي القائم منذ 2003 في العراق بجمود غير مسبوق، لم تشهده العملية السياسية منذ فترة طويلة على الرغم من الصعوبات التي كانت تتشكل بها الحكومات المتعاقبة بعد تغيير النظام الرئاسي إلى برلماني، حيث تترجح الخلافات بين حكومة أغلبية سياسية وبين حكومة توافقية يشترك فيها الجميع، كما جرت العادة منذ تأسيس النظام، حيث يتم توزيع الوزارات والمناصب وفق المحاصصة المتبعة منذ 2003، ومع تلك الأزمات تخرج بعض الأصوات المطالبة بتغيير النظام من برلماني إلى نظام شبه رئاسي أو رئاسي في حل بديل للخروج من الأزمات التي تسببها نتائج الانتخابات وآلية تشكيل الحكومات.
مخاوف “دكتاتورية” وعرقية
ما هي بدائل العملية السياسية في العراق للخروج من المحاصصة والانسداد السياسي؟ أجاب الباحث السياسي نبيل جبار العلي بالقول “من المستبعد جداً أن يتلاءم النظام الرئاسي مع الواقع العراقي الحالي، بمعنى آخر استحالة أن تتوافق القوى السياسية لإقامة نظام رئاسي في العراق لأسباب تتعلق بالمخاوف من عودة الدكتاتورية، أو المخاوف المرتبطة بتهميش جماعات عرقية أو إثنية من لعب أدوار رئيسة في السلطة وإقصاء الآخرين، أو أن تستثمر من قبل الأقليات الاجتماعية وتهيمن على السلطات، وقد يكون “فيتو” الرفض من المكون السياسي الشيعي بالدرجة الأساس”.
أما النظام شبه الرئاسي، بحسب العلي “فعلى الرغم من وجود بعض المطالبات في تغيير نظام الحكم في العراق إلى نظام شبه رئاسي، ينتخب فيه رئيس الحكومة بالانتخاب المباشر، وينتخب البرلمان العراقي ليكون جهازاً تشريعياً رقابياً، الغاية منه ضمان سلاسة تشكيل الحكومات، بعيداً عن الصفقات والمساومات، إلا أن هذا النظام من المحتمل أن يسهم في إقصاء الأقليات الاجتماعية لصالح الأغلبية الاجتماعية الأكبر، أي هيمنه الشيعة على السلطة التنفيذية بحكم تمثيلهم الأغلبية، فمن البديهي أن تواجه الدعوات الراغبة بتغيير النظام لنظام آخر شبه رئاسي، هو الرفض من قبل المكونات السياسية السنية والكردية”.
وأردف أن “الحل أو النظام الأمثل قد يكمن أولاً في التوسع في تنفيذ الفيدراليات واللامركزيات، وقد يكون من غير المهم أن يبقى النظام بشكله البرلماني الحالي أو تحوله إلى نماذج حكم أخرى كالرئاسي أو شبه الرئاسي، أو أن تعود الدولة إلى عصر الملكية بنظام برلماني يشرع ويشكل الحكومة، مهمة العرش ضمان الفصل بين السلطات، وضمان الحريات، وحماية الدستور”.
السياسيون سبب كل أزمة
بدوره، يكشف الباحث السياسي، صالح لفته بأنه “لا توجد مشكلات كبيرة في القوانين العراقية، وليست هناك حاجة للبحث عن بدائل لو تم الالتزام الفعلي بالدستور العراقي وعدم هتك الدستور لأي سبب والسكوت عمن يخرقه”. وتابع “الانسداد السياسي في العراق كان بالإمكان تجاوزه ولم نصل إليه إذا تم الالتزام بالكتلة الأكبر وتكليف مرشحها”.
ويرى صالح بأن “المحاصصة من السهولة القضاء عليها لو تم تجريم الأحزاب التي تتبنى شعارات طائفية ومحاسبة الشخصيات التي تتحدث بشعارات طائفية ومناطقية، في بعض الأحيان يحاول الناس الهروب من مشكلاتهم لمشكلات أكبر ظناً منهم أن الحل في ما يروج له، وإلا ماذا جنى العراقيون من النظام الرئاسي غير الحروب والدمار والمقابر الجماعية والذكريات السوداء التي لا يمكن نسيانها، ولا توجد ضمانات لعدم تكرار تلك المآسي بعد أن تتركز صلاحيات كبيرة في يد الرئيس مع أموال هائلة وجيش قوي ودولة كبيرة”.
وعبر لفتة عن اعتقاده بأن “النظام شبه الرئاسي أسوأ من النظامين البرلماني والرئاسي، من يريد لهذا العراق الخير من مواطنين و سياسيين عليه أن يطالب بالالتزام بالدستور وجعله الفيصل في حل المشكلات، وعدم تركه في يد السياسيين يجيرونه لمصالحهم ومتى ما تقاطع معها طالبوا بتعديله”.
وأكد “السياسيون هم سبب الانسداد السياسي بسبب المصالح الشخصية وصراعات الزعامة، وهم سبب كل أزمة، ومتى ما حصل الجميع على ما يريدون سترى أنهم تركوا الخلافات وراء ظهورهم وانبثق الحل بسرعه”.