صدق من قال: هناك من هو حي لكنه ميت. وهناك من هو ميت لكنه حي. والفرق كبير جداً جداً، بين من يكون حياً، ولكنه ينسى أن له دوراً في الحياة، وهو صعبٌ قياسه، لأنه يتوقف على وعيه وتقديره لمن حوله وإرادته كذلك. ولهذا تجد كثيرين أمواتاً وأشباه أموات، كأن الله خلقهم ليعيشوا ويأكلوا ويشربوا ويناموا فقط، وبالكاد يؤدون أبسط واجباتهم الاجتماعية. خلاف آخرين لا يدخرون جهداً، وهم يعيشون أفراح بني جلدتهم وحتى إنسانيتهم وأتراحها ويعبّرون عنها ولو كانت حياتهم في خطر. والسبب بسيط. ولا بد أن القارىء الكريم يعلم بذلك، وهو أنهم يؤمّنون على حياتهم، ويعلمون جيداً من خلال فهمهم العميق للحياة، ولمن عاشوا قبلهم ومنذ مئات السنين وأكثر، أن قيمة الإنسان مفتاح بيده يمكنه أن يفتح به أصعب الأقفال إذا استعد لذلك.
ولست أنا الوحيد الذي يعلم بمثل هذه الأمور، فهناك غيري من يعلمون بذلك بالتأكيد. إنما أتحدث باسمي، ومن باب الواجب: واجبي الإنساني، القومي، الاجتماعي والديني تجاه بني جلدتي، وكما أستطيع، عندما أتوقف ولو قليلاً عند اسم من بني جلدتي، وهو حي في ذاكرتنا جميعاً، ولأنني أتحدث عن لالشنا النوراني، وأعني به الطيب الذكر، المرحوم فقير حجي ( 1924-2019 ).
أنا متأكد ، وكوني أعيش مع أهلي وأناسي وفي وسطهم، وسط بني جلدتي الإيزيدية، أن هناك كثيرين سيأتون على ذكره بالخير في الحال.
أقول بضع كلمات فيه، ولن تكفيه حقيقة كلمات كثيرة نظراً لخدماته الكبيرة والعظيمة تلك التي عرِف بها في ظل لالشنا النوراني، وفي خدمة إيزيديينا بالمقابل، على مدى عقود من الزمن .
فقير حجي رجل دين يحمل الخرقة المقدس أباً عن جد. ومن يحمل الخرقة المقدسة، يتجاوز شخصه ومحيطه الضيق حتماً.
وكان لديه ذاكرة قوية تبعث على الفخار، ولكم حفظ هذا العظيم الأثر من أقوال وأبيات مقدسة، كم ترنَّم بها ورتلها في مناسباتنا وأطرب إيزيديينا روحياً بها، طرب المؤمن بعقيدته، وملء روحه ذلك الإيمان بمقام لالش، ودور لالش الديني والثقافي والتنويري، ليكون شجرة روح باسقة وعطرة تشع نوراً.
أعلم جيداً أيضاً، أن هناك من لديه معلومات أكثر مني عن هذا المؤمن الجليل، ولكنني، وكما قلت، أقوم ببعض الواجب تجاهه، تقديراً لذكراه، وأنا أتخيله في لالش، وأنا أراه متجولاً هنا وهناك، بين الإيزيدية، في مناسباتهم المختلفة، في التعازي، على وجه الخصوص، مخففاً الآلام، وكان من الأوائل الذين أدوا واجبهم على أفضل ما يرام، والذين رضوا أن يعطوا ما حفظوا من التعاليم الى الرعيل الاول من متعلمي الإيزيدية ومثقفيهم ليدونوا تلك الأقوال والتعاليم . أن يعطيها بكامل الأريحية، وهنا أذكر امثال الدكتور خليل جندي وخدر سليمان، وآخرين، وهم شهود على تفاني إنساننا العظيم والمخلص لعقيدتنا وإنسانيتها.
آراه، أرى صورته في كل اتجاه، كما كان نشاطه، صورته المتألقة صوته العذب والهادىء، والدال على الثقة بالنفس، وبشجاعته دون أي شعور بالخوف، أراه في ظلال أشجارنا، ومع مياه لالش، وشمس لالش الأليفة، وحرارة لالش الحانية، وثلج لالش الباعث على الخير، وليل لالش الباعث على التعبد، ونهار لالش الباعث على العطاء، ونوم لالش الباعث على الراحة النفسية.
أراه في عطائه الفائض، لم تغلبه السنوات ولا المحن التي تعرض لها أهلنا، لأنه كان على قناعة وهي أن إرادة الإنسان تتضح وقت الشدائد، وهكذا كان، هكذا عاش، وهكذا علينا، أن نهتم باسمه، بذكراه، كما هو الواضح من قبل من يقدرونه ويرو فيه جديراً بأن يتبرَّك باسمه، أن يكون قدوة للآخرين، لأنه كان رمز التفاني، هو وعائلته، وفي كل شيء، وما أكثر الذين يعلمون بذلك، وممن عاشوا معه عن قرب، وعرفوه عن قرب، وكأصدقاء كما في حال بابا جاويش والفقراوت وضيوف لالش ان وجدوا ليلاً.
كل ذلك تقديراً مستحقاً، ومن باب الواجب علينا جميعاً، فنحن بهم نكبر صراحة .
ولا أبلغ، ولا أجمل وأكرم من يد الفنان كمال حراقي الذي خلّده في لوحة فنية رائعة، تعبيراً عن مدى معرفة روح الفنان البصيرة بروح فقير حجي المنيرة، فالناظر في ملامح واجهه وشعاع عينيه، يدرك جيداً، أن إنساناً يستحق أن تكون صورته في بيت كل إيزيدي، وقبل ذلك في قلب كل إيزيدي، لأن كل ما يمكن رؤيته فيه يبعث على التفاؤل وعلى الأمل والتحدي والبقاء .
ولأهمية هذه اللوحة، وأهمية المناسبة، أنشر اللوحة الفنية، وأعلاها ما يذكّر بذلك!
لأول مرة شاهدته عندما كنا نقاوم
نظام الطاغية صدام حسين ليس في
باعذرة التي كانت ضمن مناطق نفوذ
النظام، بل في قرية هسنكة بريف
المزورية مرحبا ولأول المرة في حياتي
أرى عالم دين ايزيدي يتحدث بعلوم
الدين امام الغير وفعلاً هذه الجرأة انفرد
به الفقيد.
ولكن بعد انتفاضة آذار تغير الوضع وحررت
باعذرة، وانذاك كلفت بتنظيم شيخان قبل
لجوئي إلى ألمانيا وبسبب التزاماتنا بالوضع
الإجتماعي والذهاب إلى مناسبات اهل
باعذرة وخاصة التعازي تعرفت عن قرب
بالفقيد كونه كان حاضراً في تلك المناسبات
بشكل يومي.
كان لديه قدرة ربط الحدث بأمثلة دينية أو
اجتماعية وكان ينفرد بها هو وكذلك شيخ
علو طال عمره.
وعلاوة على ذلك كان لي علاقة جيدة جدأ
مع إبنه بدل وهو الآخر كان يمتلك الكثير
من المعلومات المتعلقة بالدين وكما يقال
فرخ البط عوام، طال عمرك يا بدل وقد دون
الكثير ولأول مرة من خلال هؤلاء عرف العالم
ماهية دين الأيزيديين وكان هناك جدلاً حول
نشر هذه الأقوال من أعتبره سراً يجب عدم
نشره ومن أعتبر ذلك تعريف الآخر الذي شوه
حقيقة الدين الأيزيدي خلال كتاباتهم و اعتبار
رد على هذا التشويه.
المهم الكثيرين اطلعوا لأول مرة على كتابات
من ايزيديين وقد ابدع بعضهم في هذه الكتابات
ولا أريد ذكرهم ومن هو الأبرز وهم على الإطلاق
أصدقائي وان كانت هذه الصداقة تختلف من شخص
لآخر واعتز بصداقتهم جميعاً.
الرحمة والمغفرة للراحلين منهم، والعمر المديد والصحة والعافية
ومزيد من العطاء للأحياء منهم.
في الحقيقة مهما قلنا لن نوفي حقه في إنجازاته, في الأسابيع الأولى بعد رحيله ـ رحمه الله ـ كتبنا مقالاً رائعاً عنه بعنوان ( رحيل المعلم الأكبر) لم أنشره بناءٌ على طلب نجله الأخ بدل بأنهم بصدد إعداد كتاب خاص عنه فأرسلته إليه , وسؤالي الآن أين وصل المشوار ومتى سيظهر الكتاب كاملاً مكملاً ليكون جزءاً من وفائنا لخدمات المرحوم الجليل وشكراً
نتمنى من الاصدقاء الكتاب الذين وعدوا بكتاب عن حياته ان يلتزموا بوعدهم .ونحن لدينا مايغني الكتاب من لقاءات وفيديوهات ومقابلات مع المرحوم وعلى استعدا تام للتعاون وانجاز المشروع