أصبحت لدرجات الحرارة الشديدة التي تمر بها الدول في معظم أنحاء العالم، تأثيرات كبيرة على الصحة العقلية والنفسية للناس، وذلك طبعاً إلى جانب آثار الحرارة المرتفعة الخطيرة على الصحة البدنية.
لكن بعض الفئات، وعلى رأسهم الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية عقلية ونفسية بالفعل، معرضون للخطر بشكل خاص.
فقد ارتبطت درجات الحرارة الشديدة بمجموعة من التأثيرات على الصحة العقلية في الأبحاث والدراسات العلمية على مدى سنوات عديدة، وضمن ذلك زيادة الشعور بالتهيج النفسي وأعراض الاكتئاب وزيادة معدلات الانتحار.
يمكن أن يؤثر الجو الحار أيضاً على السلوك، ويساهم في زيادة العدوانية، وحدوث العنف المنزلي، وزيادة استخدام الكحول أو المواد الأخرى المخدرة للتعامل مع الإجهاد والتخفيف من الإدراك بالعالم الخارجي.
كما ربطت الأبحاث درجات الحرارة المرتفعة بمشاكل الذاكرة والانتباه وسرعة رد الفعل. ويمكن أن تساهم صعوبات النوم المرتبطة بالجو الحار في تفاقم أعراض الصحة العقلية.
فيما يلي نستعرض أبرز الآثار الجانبية للحر ودرجات الحرارة العالية على صحة الإنسان النفسية والعقلية، وما إذا كانت هناك تغيرات جسدية هي السبب وراء ذلك التغيير.
ما مدى تأثير الجو الحار على الصحة العقلية؟
تقول الطبيبة فيفيان بيندر، رئيسة الاتحاد الأمريكي لعلم النفس APA، إنه “في حين أن العديد من الأشخاص لا يزالون يتعاملون مع تحديات الصحة العقلية المترتبة على الوباء العالمي، فإن التعرض للحرارة الشديدة وغير المسبوقة يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأعراض النفسية”.
ولفتت بحسب موقع Psychiatry للصحة النفسية، إلى أن موجات الحر تمثل تهديداً على الصحة العامة، وضمن ذلك الصحة العقلية.
وأوضحت أن العديد من العوامل تساهم في جعل الأشخاص المصابين بمرض عقلي معرضون بشكل خاص لمخاطر الجو الحار على الصحة النفسية والعقلية.
إذ يمكن أن يعاني الأشخاص المصابون بالفصام من صعوبات في تنظيم درجة حرارة الجسم، ويمكن للتغيرات في درجة الحرارة أن تسبب أعراض اضطرابات المزاج.
كما أن بعض الأدوية النفسية، ومن ضمنها بعض مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان، يمكنها أن تؤثر في الطريقة التي ينظم بها الجسم درجة الحرارة.
ويفسر الطبيب إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي المصري، أن الشعور بالتوتر والضغط النفسي يحدث نتيجة تأثير ارتفاع درجة حرارة الجسم على إفراز هرمون الأدرينالين، ما يجعله يرتفع، وهو بدوره يؤدي إلى زيادة حدة الغضب والتوتر، فضلاً عن أنه يتسبب في زيادة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم.
وأضاف أن سبب العصبية الناجم عن ارتفاع درجة الحرارة يحدث نتيجة تأثير تلك الحرارة على المخ كذلك، لأن في المخ مركزاً مسؤولاً عن تنظيم درجة حرارة الجسم لتتكيف مع درجة الحرارة الخارجية، وعندما تكون درجة الحرارة مرتفعة للغاية، يزداد إفراز المواد المسؤولة عن معادلة درجة حرارة الجسم، ما يتسبب في استثارة الأعصاب فتزداد نوبات العصبية.
تأثير الجو الحار على السلوك والصحة النفسية
1- ارتفاع معدلات العنف العالمية
تؤكد الأدلة التي تربط الحرارة الشديدة بالعدوانية الفهم العام المعبَّر عنه في لغتنا العامية بمقولة “دمي بيغلي”.
إذ تؤدي زيادة الحرارة العالمية بمعدل درجة واحدة إلى زيادة تبلغ 4% في العنف بين الأشخاص، وزيادة بنسبة 14% في العنف الجماعي.
وبحسب مجلة Psychiatric Times للصحة النفسية والعقلية، ونظراً إلى أنه من المتوقع أن ترتفع درجة حرارة المواقع في جميع أنحاء العالم المأهول من 2 إلى 4 درجات بحلول عام 2050، يمكن أن تمثل المعدلات المتصاعدة للصراع البشري والعنف العالمي تأثيراً جوهرياً لتغير المناخ على حياة البشر.
2- ارتفاع معدلات الانتحار
شكل من أشكال العنف الأخرى أن ينقلب الاكتئاب العام على الذات، إذ تزداد أرقامه في أثناء الحر الشديد.
وتُظهر الأبحاث زيادة في معدلات الانتحار بنسبة 0.7% بالولايات المتحدة و2.1% في المكسيك خلال فترات زيادة درجة واحدة مئوية عن متوسط درجات الحرارة الشهرية.
ويُتوقع أنه بحلول عام 2050 ستحدث ما بين 9000 و40000 حالة انتحار إضافية في الولايات المتحدة والمكسيك فقط.
3- تدهور المزاج والرفاهية العامة
وقد حللت الدراسة نفسها حول الانتحار في الولايات المتحدة والمكسيك أيضاً أكثر من 600 مليون وسيلة تواصل على وسائل التواصل الاجتماعي، ووجدت أن هناك زيادة في اللغة الاكتئابية والتفكير في الانتحار مرتبطة بارتفاع درجات الحرارة، مما يشير إلى انخفاض عام في الصحة العقلية. وتفسيراً لتلك السلوكيات يتضح أن إفراز الجسم لهرمون السيروتونين عند الحرارة المرتفعة قد يلعب دوراً محورياً.
4- الأرق
النوم هو وظيفة أساسية للرفاهية والصحة الجيدة، كما تؤثر الآثار السلبية للحرمان من النوم على الحالة المزاجية والاكتئاب والإدراك والقدرة على التفكير والتركيز.
وتساهم الحرارة المتزايدة في معدلات الأرق التي تزداد سوءاً مع زيادة الرطوبة.
الجسم البشري لا يمكنه التأقلم مع الحرارة
ومن الناحية الفسيولوجية، أجسام البشر غير مهيأة للتعامل مع الجو الحار الذي يتجاوز نحو 35 درجة مئوية، أو نحو 95 درجة فهرنهايت.
وتُظهر الأدلة العلمية المختلفة بحسب مجلة Science News العلمية، أنه عندما ترهق الحرارة أجساد البشر، فإن أداءهم في المهام المختلفة، وكذلك آليات التكيف العامة لديهم، تتدهور بدورها ويفقد الشخص قدرته على العمل والتفكير بكفاءة وتحقيق الإنتاجية المعهودة منه في نواحي الحياة المختلفة.
على سبيل المثال في دراسة شهيرة، عرض عالم النفس الاجتماعي كريج أندرسون وزملاؤه على الطلاب الجامعيين في عدد من الجامعات الأمريكية، أربعة مقاطع فيديو لأزواج يتناقشون مع بعضهم.
كان أحد المقاطع محايداً في نبرة النقاش، بينما أظهر الثلاثة الباقون تصاعد التوتر بين الزوجين بشكل تدريجي.
كان كل طالب جامعي يشاهد المقاطع جالساً في غرفة مع منظم الحرارة مضبوط على درجة حرارة واحدة من بين خمس درجات حرارة مختلفة، تتراوح من 14 درجة مئوية إلى 36 درجة مئوية.
أندرسون وجد أن الطلاب الموجودين في غرف دافئة بشكل غير مريح فسروا نقاش جميع الأزواج، حتى المحايدين منهم، على أنهم أكثر عدائية. وذلك أكثر من الطلاب في الغرف ذات درجات الحرارة المريحة.
وبالتالي يميل الجو الحار إلى جعل الناس أكثر سرعة لإطلاق الأحكام، وأكثر ميلاً لإدراك وتفسير الأشياء على أنها أكثر بذاءة.
الجو الحار يجعلنا أقل انجذاباً للآخرين!
قد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى انخفاض الانجذاب نحو الأشخاص الآخرين الذين نواجههم، خاصةً عندما تكون الحرارة مصحوبة بالازدحام.
على سبيل المثال، يوضح الكاتب فرانك ماكندرو في مقال له بمجلة Psychology Today لعلم النفس، أن الأفراد الذين يتعرضون لدرجات حرارة مرتفعة في المختبر أقل عرضة للقيام بأشياء لطيفة للآخرين.
ولفت إلى أنه من المرجح أن يطلق السائقون أبواقهم على السيارات المتوقفة إذا لم يكن لديهم مكيف هواء بسياراتهم في الأيام الحارة عن المعتاد.
ويمكن أن تتراوح آثار الإجهاد الحراري لفترات طويلة من الشعور بالإرهاق والصداع وصولاً إلى الهذيان والنوبات القلبية والموت.
بعبارة أخرى، لا يجعلنا الجو الحار غاضبين فحسب، بل يمكنه أيضاً أن يجعلنا مرضى.
لذا إذا وجدت نفسك تشعر ببعض التوتر وتثير المشاكل مع من حولك هذا الصيف، فاسترخِ؛ فلست وحدك من يشعر بهذا الضيق الفظيع. وقد يكون الحل الأمثل هو تناول كوب من العصير المثلج والاسترخاء قليلاً حتى زوال موجة الحر.