خلال اسبوعين فقط “انتحر” ستة مواطنين ايزيديين، معظمهم يقيمون في مخيمات النازحين، دون أن يكون للحكومة العراقية وحكومة اقليم كوردستان خطط للتقليل من هذه الحوادث.
حسب متابعات (كركوك ناو)، لقي ستة ايزيديين حتفهم في حوادث قالت عنها الشرطة وذوو الضحايا أنها حالات “انتحار”، وقعت خمسة منها في مخيمات النازحين بمحافظة دهوك وواحدة في ناحية سنوني التابعة لقضاء سنجار.
الحادث الأخير وقع في 16 أيار الجاري حيث أقدم شاب يبلغ من العمر 26 سنة على “شنق نفسه بحبل”، بحسب ما ذكره بيان لشرطة قضاء زاخو.
“معدلات الانتحار تفاقمت في عام 2022، كافة الجهات المعنية يقع على عاتقها جزء من التقصير”، يقول المقدم فلاح حسن، مدير مكتب سنجار لمناهضة العنف ضد المرأة والأسرة، التابع لحكومة اقليم كوردستان.
في 14 أيار 2022، “انتحرت” فتاة في الـ26 من العمر تقيم في مخيم بيرسيف بزاخو، حسب بيان أعلنته الشرطة خلال التحقيقات الأولية، دون أن تفصح الأجهزة الأمنية عن تفاصيل الحادث والتحقيقات بشأن ملابسات القضية.
لا يوجد قانون يستطيع ردع الناس عن الانتحار، كل انسان حر، غالبية الذين انتحروا كانوا إناثاً
وفي 5 أيار، عُثر في نفس المخيم على جثة امرأة في الـ62 من العمر داخل خيمتها، وذكرت الشرطة وذوو الضحية أنها “شنقت نفسها بحبل”.
سفيان نمر، ابن أخ الضحية، قال لـ(كركوك ناو)، “كانت عمتي تعيش لوحدها في خيمتها منذ أكثر من عام وقد انفصلت عن زوجها، كانت لديها ابنة وحيدة متزوجة،حالتها النفسية لم تكن مستقرة، للأسف شنقت نفسها”.
يأوي مخيما بيرسيف 1 و بيرسيف 2، أكثر من 12 ألف نازح ايزيدي، معظمهم من قضاء سنجار، غربي محافظة نينوى.
وقال مدير مكتب مناهضة العنف ضد المرأة والأسرة في سنجار، انه “بالنسبة لظاهرة الانتحار، لا يوجد قانون يستطيع ردع الناس عن الانتحار، كل انسان حر، غالبية الذين انتحروا كانوا إناثاً، وهناك عدة عوامل، منها التقليد، عادات وتقاليد المجتمع ودوافع أخرى”.
يقول المقدم فلاح، “عالجنا العشرات من حالات العنف ضد المرأة، بذلنا اقصى جهدنا للتقليل من ظاهرة الانتحار”، عن طريق تنظيم جلسات وندوات داخل وخارج المخيم، “بالرغم من أن المشاركين في تلك الجلسات لا يصغون لما نقوله وينفذون ما في رؤوسهم”.
وفقاً لمتابعات (كركوك ناو)، سُجلت أكثر من 17 حالة “انتحار” في صفوف الايزيديين داخل مخيمات دهوك وكذلك في سنجار منذ مطلع هذا العام لغاية 16 أيار ، 11 منهم كانوا إناث والستة الآخرون ذكور.
وشهدت نفس الفترة “مقتل” أكثر من 10 مواطنين ايزيديين.
سليمة صالح جوندو، (22 سنة)، عُثر على جثتها في 21 نيسان 2022 داخل مخيم دركاري بقضاء زاخو وأشارت التحقيقات الأولية الى أنها “انتحرت”.
“في اليوم الذي سبق، كانت العائلة بأكملها في معبد لالش، للاحتفال بمراسيم عيد رأس السنة الايزيدية والأربعاء الأحمر، كنا سعداء جداً، التقطت عشرات الصور ومكثنا هناك حتى المساء، وفي يوم الحادث تناولنا الفطور والغداء معاً، لم نلحظ وجود أي مشكلة”، هذا ما قاله، صالح جندو، والد الضحية لـ(كركوك ناو).
“كانت انتحرت في خيمة مجاورة لنا تستخدم لحفظ المؤونة والمستلزمات الأخرى”، وأضاف جندو “قبل الحادث بأسبوع، أخبرتني سليمة أنها رأت نفسها في الحلم مرتدية ملابس بيضاء وتطير نحو السماء كحمامة”.
الأسباب الرئيسية لازدياد حالات الانتحار في مخيمات النازحين تتمثل في استمرار النزوح، عدم توفر فرص العمل
صالح جندو أبدى امتعاضه من المنظمات والجهات المعنية لأنها “لم تفعل شيئاً للتقليل من ظاهرة الانتحار ووضع حد لها”، وعزا سبب تفاقم معدلات الانتحار الى البؤس والمعاناة في مخيمات النازحين اضافة الى عدم توفر فرص العمل.
وأظهر استطلاع للرأي أجري العام الماضي في صفوف النازحين، قال 20 بالمائة من المشاركين أن ذويهم فكروا في “الانتحار” مرة واحدة على الأقل.
سوزان سفر، مديرة منظمة داك لتنمية المرأة الايزيدية، قالت لـ(كركوك ناو)، “نحن أجرينا ذلك الاستطلاع وأرسلنا النتائج الى الجهات المعنية، لكن للأسف لم يتم اتخاذ خطوات عملية ولم تتراجع معدلات الانتحار، بل أنها زادت”.
ولفتت سوزان التي تتحرى منظمتها ميدانياً عن مشاكل النساء النازحات، الى أن ” الأسباب الرئيسية لازدياد حالات الانتحار في مخيمات النازحين تتمثل في استمرار النزوح، عدم توفر فرص العمل والدورات التدريبية وعدم الاهتمام بالدعم النفسي”.
توفير الدعم والعلاج النفسي جزء رئيسي من قانون الناجيات الايزيديات الذي أقره البرلمان العراقي في آذار 2021، فضلاً عن تعويض الايزيديات اللائي اختطفن من قبل داعش وتعرضن لأشكال العنف مادياً ومعنوياً، بهدف تأمين حياة كريمة لهن وإعادة دمجهن بالمجتمع.
أسكندر محمد أمين، مدير دائرة الهجرة والمهجرين العراقية في دهوك، قال لـ(كركوك ناو)، “الدافع الرئيسي وراء اقدام النازحين على الانتحار يتمثل في بقائهم في النزوح، أي شخص يقيم في خيمة لثمان سنوات دون أن يلوح في الافق أي أمل للعودة الى الديار قد يلجأ للانتحار”.
وشكّلت الحكومة الاتحادية العراقية في عام 2021 لجنة لمتابعة ودراسة حالات “الانتحار ” في صفوف النازحين الايزيديين، غير أن نتائج الدراسة لم تُعلن حتى الآن.
“عمل تلك اللجنة لم ينته بعد، الوزارة تولي اهتماماً بالموضوع، من حيث فتح دورات التوعية داخل المخيمات وتوزيع المساعدات، كالأغذية والمستلزمات الأخرى وتوفير فرص العمل بالتنسيق مع المنظمات، لكن أية جهة لا تستطيع بمفردها وضع حد لتكرار تلك الحوادث وقضية الانتحار “، حسبما أوضح أسكندر.
في أعقاب هجمات تنظيم داعش على سنجار ومناطق أخرى من محافظة ديالى في 2014، نزح أكثر من 350 ألف ايزيدي من مناطقهم وهاجر 100 ألف خارج البلاد، كما اختطف ستة آلاف ايزيدي لا يزال مصير قرابة نصفهم مجهولاً، حسب احصائيات حكومة اقليم كوردستان.
ويشكل الايزيديون نسبة 30 بالمائة من مجموع 664 ألف نازح في اقليم كوردستان، وأدت الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في سنجار بداية شهر أيار الحالي الى عودة ما يقرب من ألفي عائلة الى المخيمات.