أين يتجه العالم الإسلامي؟ وأين يقف الإسلام؟ ومعظم دعاة حماته، بينهم الذين ألغوا دور الأئمة الأتقياء والصالحون في الأحكام، غارقون في النفاق والدجل، منذ الغزوات الأولى إلى اليوم.
ليس دفاعاً عن الدين فله ربه، ولا طعنناً في ماهيته فهي خارج مداركي، بل عن الشعوب التي تدمر ويتم التلاعب بمصيرها، في عصرنا هذا، وتباع قضاياهم في أسواق العهر السياسي، والنخاسة الدبلوماسية، كالشعبين الكوردي والفلسطيني.
فالذين يسخرون الإسلام لمأربهم، خاصة الذين فتحوا الأبواب لإحياء المنظمات التكفيرية، يعمقون بنفاقهم البيئة الفاسدة بين الشعوب الإسلامية، بعدما خلقوا الفوضى في ساحاتهم السياسية، وساهموا في ترسيخ التخلف والانحطاط الثقافي في عالمه، وتوسيع الصراع بين شعوبه.
لنقف على قضيتي الشعبين (الكوردي والفلسطيني) كمثال عن العديد من أمثالهما، ونقارن بينهما ومحتليهما، ومواقف قادة وسياسيي العالمين الإسلامي والعربي منهما، وبعجالة.
ليس انتقاص من القضية الكارثية بين الشعبين الفلسطيني واليهودي، بل بحثا عن بعض العدالة، التي يتم الترويج لها بنفاق دولي على قدر ما تتطلبه المصالح والقدرات المادية للمتاجرين بها.
أي القضيتين، الكوردية أم الفلسطينية، أولى وأصدق من البعدين التاريخي والإنساني، والديني، ليتم تقديمها إلى العالم الإسلامي، ومجلس الأمن، والمحافل الدولية، لمعالجتها بمصداقية إنسانية وعدالة إسلامية.
أي الجغرافيين محتلة؟
وعلى أيهم يتم الاستيطان بأساليب كارثية؟
ما هي نوعية وعدد المستوطنات الإسرائيلية، مقارنة بما أقيم ويقام على أرض كوردستان؟
وكم هي نسبة السكان الذين تم تهجيرهم قبل إقامة المستوطنات؟
كردستان مقارنة بفلسطين تعيش الدمار، نقولها ليس عن مظلومية، بل عن واقع، فمن الجهالة التحدث عن المظلومية تحت ظل أنظمة شمولية استبدادية عنصرية حتى النخاع، لكن من العدالة تبيان أيهما يعاني أكثر من التمييز العنصري والطغيان، وأيهما يواجه التغيير الديمغرافي الأكثر رعبا وتدميرا لقادمهما؟
لا يمكن مقارنة واقع الشعب الفلسطيني بالكوردي. لنترك الدراسة والأبحاث لأصحاب الضمائر الحية، والذين يريدون معرفة الحقائق. ويقارنون بين استبداد الأنظمة المحتلة، إسرائيل، وتركيا وإيران والعراق وسوريا، في الأبعاد الديمقراطية، والاستبداد، وتطبيق العدالة، والتعامل مع حراك الشعبين التحرريين؟
فعلى سبيل المثال، والتالي هو الأقرب زمنيا:
إعلامية فلسطينية، أرامية مسيحية، عربية اللسان، قتلت في ساحة صراع بين اليهود والفلسطينيين، هاج العالمين العربي والإسلامي، وهيجوا معهم كل من تمكنوا من تحريكه.
قتلت الإعلامية الكوردية، وبأمر مباشر من أئمة ولاية الفقيه، وأخريات قتلن في شوارع المدن الكوردية في شمال كوردستان، وبعضهن تحت التعذيب في السجون من قبل السلطات التركية، فكان الصمت الإسلامي والعربي الفاجر، بل ورافقت بعضها تغطية خبيثة، بإعطاء الحق للسلطتين الفارسية والطورانية، من البعد المذهبي.
وليتهم قارنوا بين أوضاع القيادات الفلسطينية في السجون الإسرائيلية، بالقيادات الكوردية في سجون النظامين التركي والفارسي، وسابقاً في سجون صدام والأسد، والبعث.
الكتب السماوية الثلاثة والتاريخ، تثبت أن لليهود الحق الأول في حماية المراكز الدينية في القدس، والعبادة فيها. هم أصحابها قبل المسيحيين والمسلمين، بنوها قبل قرابة 1500 سنة من ظهور المسيح، و 2000 سنة من الغزوات العربية الإسلامية، فعمليات توسيعها وتجديدها، وتغيير معالمها، تمت بعد هيمنة السلطات الإسلامية أو الصليبيين، بقرون طويلة.
لماذا كل هذا النفاق وخداع الأمة الإسلامية قبل الشعب الفلسطيني، من قبل قادة العالمين الإسلامي والعربي، وتمثيليات الدفاع الرخيص عنهم، والتي أدت إلى تعقيد القضية التاريخية، إلى درجة استحالة الحل، واستمرارية الصراع بشكلها المدمر.
لو كانوا مؤمنون عن صدق نية، لدافعوا بمثلها على الأقل عن حقوق الشعب الكوردي وحيث الأكثرية المسلمة، دون تحيز حسب المصالح الدنيوية، وكفروا داعش التي هتكت الإسلام، وقتلت وسبت الألاف من أهلنا أبناء أعرق الديانات في المنطقة (الإيزيدية).
عالم يعيش النفاق والعهر السياسي، يسخرون الدين لغايات خسيسة تحت منطق الدولة، يحمل في طياته ضعف الإيمان بالخالق، وبالإسلام، وهذا حمل لبعض الكفر، وهم الذين يجب أن يحاكموا وليست إسرائيل، على ما يعانيه الشعب الفلسطيني من الكوارث.
دور العامل الداخلي مقابل تجاهل قادة العالم الإسلامي والعربي:
الإشكالية ليست في أحقية القضية، بل بمدى الوعي، والقدرة على رفعها إلى المستويات المطلوبة. فالعالم اليوم يقف مصدوما أمام قضية أوكرانيا، وتتكاتف الدول دفاعا عنها، لأن حماتها أصحاب دراية، وقدرة على دمج مصالحهم كدولة مع مصالح العالم الغربي، فحصلوا على معظم ما تتطلبه لمواجهة روسيا، وهي إحدى أقوى دول العالم، والتي خانت قيادتها الحنكة، على الأقل في تأليب العالم حول موقفها، بعدما كان دهاة سياسييها وإستراتيجييها، في عصر الإتحاد السوفيتي، يديرون نصف العالم.
تدرج القضية الفلسطينية -الإسرائيلية، والكوردية مع محتليها، ضمن معادلة مشابهة. فرغم الزخم الذي تحصل عليه الحركات الفلسطينية، من العالمين العربي والإسلامي، لا تتمكن من الحصول على الاعتراف الرسمي الدولي بها. كما وأن سنوات الصراع الطويل، لم تخرجهم من مستنقع التلاعب والمتاجرة بقضيتهم.
رغم أهمية داعميهم، إلا أنهم ولضحالة الوعي العام مقارنة بالإمكانيات الفكرية والثقافية والسياسية لإسرائيل كدولة ديمقراطية النظام، لم يتمكنوا من ترجيح القضية لصالحهم، وإنقاذها من مزايدة تركيا السنية، وإيران الشيعية، وبعض الدول العربية القومية عليها، بل وأصبح الشعب الفلسطيني سني، وشيعي، وعروبي، وتكفيري حسب متطلبات الدول المتاجرة بهم، وبالمقابل تواجه إسرائيل العالمين العربي والإسلامي معاً، معتمدة على وعي القيادة اليهودية، التي لولاه لما تمكنت من الاستمرار، مهما حصلت على الدعم الأمريكي والأوروبي وحتى الروسي.
ومعضلة القضية الكوردية، رغم الاختلافات الواسعة، هي ذاتها، التشابه في ضحالة الوعي، والجهالة السياسية، مقارنة بالدول المحتلة لجغرافيتنا، الوباء الكافي لتكون قضيتنا شبه ملغية من الساحات السياسية العالمية.
ما هو المطلوب؟
تنبيه حراكنا والأجيال اللاحقة، على أن الدوران في حلقات ثقافية مغلقة والروتين في العلاقات السياسية يرسخان الفشل، لا بد من تغيير الدروب، مع مفاهيم وأراء تلاءم العصر، ومعالجة مواضيعنا وقضايانا بأبعاد حضارية، إن كانت في المؤتمرات والكونفرانسات أو في المحاضرات، كأن نحررهم من الروتين المملة، أو تقديمها كجلسات ترفيهية، أو نواة لحوارات تخوين البعض.
ومن الأهمية ذكره؛ إننا وفي حواراتنا السياسة والعلاقات الدبلوماسية، خاصة مع محتلينا، يجب إنقاذ اللا شعور من منطق السيد والموالي، ومعالجة قضيتنا بأساليب العصر الذي يكاد ينعدم فيه الزمان والمسافات، ليصبح لنا أمل الخروج من المستنقع.
وأكثر ما يزيدنا ضعفا وتقزيما داخليا وخارجيا، هي سهولة إطلاق الاتهامات المتبادلة مع الإبداع في التبريرات، والتي تؤكد غياب الإدراك على أننا لا زلنا حراك في مرحلة التحرر ولسنا دولة، ونتعامل بين بعضنا من منطق نظام الدولة والمعارضة، وهي خدمات مباشرة نقدمها للأعداء. فلا المتبجحون بالسلطة سينتصرون ولا المتحركون على منهجية المعارضة سينجحون.
لا بديل عن حركة تنويرية تغير المفاهيم، وتوعي المجتمع، وتخلق ثورة فكرية. فحراكنا الثقافي وخاصة كتبة المقال الواحد وقادة الصراع الداخلي، أو ما نسميهم العابثين بالحراك والقضية؛ يفاقمون من تيه الشارع الكوردي؛ وتعتيم المجتمع، وتدميره.
أمتنا بحاجة إلى قيادة حكيمة تلغي القيادات المتكدسة، وتتعامل مع القوى الإقليمية والعالمية بوعي ودراية وثقة بالذات.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
27/5/2022م