منذ سنوات والشاب السوري هوكر ج. يريد أن يلجأ إلى ألمانيا من أجل حياة أفضل، كما يقول لمهاجر نيوز، ولكنه دائماً ما يتردد في ذلك لأنه يبحث عن طرق آمنة للوصول لكي لا يعرض نفسه وزوجته وابنه الصغير للخطر.
يقول هوكر -الذي يعيش في كردستان العراق- “مازلت أحاول، ورغم أن المهربين هنا يتحدثون عن وجود طرق آمنة للوصول بالطائرة من أربيل في كردستان العراق إلى ألمانيا من أجل تقديم اللجوء فيها إلا أنني لا أثق بهم”، ويضيف: “لو كانت هذه الطرق موجودة فإن نصف اللاجئين السوريين الذين يعيشون في المخيمات كانوا سيذهبون إلى ألمانيا”.
لكن سامان ن. لا يوافقه الرأي، فقبل شهرين، وعندما كان يبحث عن طريقة للجوء إلى ألمانيا، وعده أحد المهربين المحليين بتأمين تأشيرة “نظامية” له من القنصلية الألمانية في أربيل “عن طريق علاقاته مع موظفين في القنصلية”، لكن المهرب أخبره أن “لكل شيء سعره”، يقول سامان لمهاجر نيوز.
آلاف الدولارات
ويضيف الشاب الثلاثيني الذي يعيش في أربيل مع زوجته وطفليه: “طلب مني 13500 دولاراً عن كل شخص، ولا فرق بين البالغين والأطفال، لكنه أخبرني أنه لن يستلم النقود إلا بعد أن نصل إلى ألمانيا”.
ربما تكون الطرق التي يتحدث عنها سامان ولا يعتقد هوكر بوجودها، هي طرق متوفرة بالفعل، فقد كشفت مجلة ديرشبيغل الألمانية في تحقيق صحفي لها عن وجود مؤشرات على “مخالفات” في إصدار التأشيرات للسوريين في القنصلية الألمانية العامة في أربيل. وحسب تقرير ديرشبيغل فإن الأمر يتعلق بأكثر من خمس وعشرين حالة اشتباه في الفترة ما بين آب/ أغسطس وكانون الأول/ ديسمبر 2017.
ويشير التحقيق إلى الاشتباه بوجود تلاعب ببرنامج خاص بالسوريين من قبل الموظفين المحليين في القنصلية الألمانية في أربيل، كما يتحدث عن وجود صلات للمهربين بأولئك الموظفين.
وروت دير شبيغل في تحقيقها قصة لجوء السوري جاسم م. (46 عاماً) إلى ألمانيا عن طريق الحصول على تأشيرة سفر (فيزا) من القنصلية الألمانية في أربيل مقابل دفع 12 ألف دولار لأحد المهربين، وذلك لكي يلحق بزوجته وأطفاله الأربعة بعد “فشل” محاولات لم الشمل.
ووفقاً للمعلومات الواردة في التحقيق، فإن بعض السوريين دفعوا للمهربين في أربيل مبالغ تتراوح ما بين 2000 و13000 دولار مقابل حصولهم على “تأشيرة” تمكنهم من دخول ألمانيا جواً.
ويرجع سامان اختلاف “أسعار الفيز” حسبما يقول المهربون، إلى الطريقة التي يتم الحصول بها على التأشيرة. ويضيف: “أحياناً يكون الحصول على الفيزا معتمداً بشكل جزئي على الحظ، عندها يكون السعر منخفضاً، أما عندما يكون الحصول على الفيزا مؤكداً مئة بالمئة بسبب وجود علاقات بين المهرب والموظف، عندها تتجاوز الأسعار 12 ألف دولار”.
“ظاهرة في الشرق الأوسط وشرق أوروبا”
ولا تقتصر هذه التجاوزات على القنصلية الألمانية في أربيل، وفقاً لدير شبيغل، والتي أشارت إلى أن القنصليات والسفارات الألمانية في الخارج، خاصة في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، تخضع بشكل منتظم لتحقيقات حول الفساد والتهريب عند منح تأشيرات السفر، مضيفة إلى أن “نقاط الضعف” في السفارات الألمانية في الخارج غالباً ما تكون من الموظفين المحليين الذين يتقاضون رواتب أقل من نظرائهم الألمان.
وليس الفرق في الرواتب وحده هو ما يجعل أولئك الموظفين يقومون بذلك، حسب محقق متخصص في حالات الفساد في البعثات الألمانية في الخارج، والذي قال للصحيفة: “يضاف إلى ذلك اختلافات ثقافية أيضاً”، في إشارة إلى أن الرشوة منتشرة في بلدان الشرق الأوسط وشرق أوروبا.
كيف تتم عملية “التزوير”؟
لكن كيف يغفل الموظفون الآخرون عن هذه التفاصيل؟ تقول دير شبيغل في تحقيقها إن من قاموا بالتلاعب بالطلبات أدخلوا بيانات خاطئة في نظام التأشيرات في القنصلية، مستغلين نقاط الضعف “الهائلة” في نظام التحكم، حيث أن العدد الكبير من الطلبات يثقل كاهل الموظفين، وفي أحسن الأحوال لا يمكن للموظفين سوى فحص الطلبات بسطحية، بحسب دير شبيغل.
وكمثال على ذلك ذكرت الصحيفة ما حصل مع السوري رشيد م. الذي قدم طلباً للحصول على فيزا في إطار برنامج مخصص للسوريين كانت تقدمه بعض الولايات الألمانية. أحد شروط القبول كان وجود شخص في ألمانيا يتعهد بالتكفل بمصاريف الشخص المقدم للطلب. لكن في حالة رشيد، حسبما كشفت دير شبيغل، تمت كتابة اسم شركة تقدم خدمات البريد الإلكتروني عوضاً عن اسم الكفيل. وبالإضافة إلى ذلك تم “تزوير” الموافقة المسبقة التي يجب أن تصدرها دائرة الأجانب في ألمانيا، وحصل رشيد على الفيزا.
مازال المشتبه بهم على رأس عملهم
ورغم أن دائرة المشتبه بهم “ضيقة” كما تقول دير شبيغل، إلا أنه “لم يتم اتخاذ الإجراءات الجنائية” بحقهم بعد مرور حوالي سنة على الكشف عن هذه “المخالفات” في القنصلية في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي. وأشارت الصحيفة إلى أن الموظفين المحليين المشتبه بهم مازالوا يعملون في القنصلية، رغم أن وزارة الخارجية قالت إنها على علم بهذه “التجاوزات” منذ سنة، وإنها اتخذت إجراءات تنظيمية لمنع وقوع مثل هذه الحوادث.
يقول السوري هوكر، الذي مازال يبحث عن طريق للهجرة إلى ألمانيا، إن ما سيثنيه عن الاستعانة بمهربين من أجل الوصول إلى ألمانيا هو توفر طرق آمنة للهجرة إليها، ويضيف: “لو عرفت أن هناك طريقة قانونية آمنة للوصول إلى هناك ولو بعد سنين فسأصبر ولن ألجأ إلى المهربين”.
لكن سامان يشير إلى “حقيقة مرة” على حد تعبيره، ويضيف: “إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه، فسيصبح اللجوء للأغنياء فقط وتبقى المعاناة للفقراء.