قالت صحيفة The Washington Post الأمريكية، الخميس 2 يونيو/حزيران 2022، إن محطة تشيرنوبل في أوكرانيا فقدت حتى الآن 698 حاسوباً، و344 مركبة، و1500 مقياس لجرعات الإشعاع، ونظاماً برمجياً لا غنى عنه، وجميع أجزاء معدات مكافحة الحرائق تقريباً.
ولا تزال قائمة ما سرقته القوات الروسية أو فجَّرته أو انهالت عليه بالرصاص في مختبرات تشيرنوبل وحولها قيد الإحصاء، حسب الصحيفة.
ورغم تجنُّب الكارثة التي كان يخشاها كثيرون -التسبُّب بحرب في إطلاق إشعاع في جميع أنحاء المنطقة من موقع أسوأ كارثة نووية في العالم عام 1986- يعمل المسؤولون في محطة تشيرنوبل البائدة حالياً على تقييم نتائج وجود روسيا المتقلب والفوضوي في ذلك الموقع لمدة شهر؛ حيث قُتِل تسعة من زملائهم واختُطِف خمسة آخرون.
“واشنطن بوست” نقلت عن ميكولا بيسبالي، مدير المختبر التحليلي المركزي بالموقع، قوله وهو جالس في قاعة محاضرات شوَّهتها الكتابة الروسية على الجدران: “لا أستطيع القول إنهم تسببوا في أضرار للبشرية، لكن بالتأكيد أضرار اقتصادية كبيرة لأوكرانيا”.
لم تعد المحطة النووية الضخمة في تشيرنوبل تنتج الطاقة، لكن قبل الحرب الروسية كان ما يقرب من 6000 عامل لا يزالون يراقبون الآثار الدائمة للانهيار الكارثي الذي وقع منذ أكثر من ثلاثة عقود، فضلاً عن معالجة الوقود النووي المستهلك من محطات أخرى في أوكرانيا وأوروبا.
تقع تشيرنوبل على بُعد أميال قليلة من الحدود البيلاروسية، وكانت من أول الأماكن التي احتلتها القوات الروسية.
وقال يفهين كرامارينكو، مدير “منطقة الاستبعاد”، وهي منطقة تبلغ مساحتها ألف ميل مربع حيث تظل مستويات الإشعاع عالية ويظل وصول الجمهور إليها محدوداً: “إنَّ جنرالاً روسياً قدّم نفسه، في اليوم الأول للهجوم على المكان، على أنه القائد الجديد للمحطة، كما قدّم موظفين من وكالة “روساتوم” النووية الحكومية الروسية”.
وأضاف كرامارينكو: “أعتقد أنه في الوقت الذي جاؤوا فيه، كانوا يخططون للبقاء بصفة دائمة، وخططوا للسيطرة على زمام الأمور لفترة طويلة”.
وفي الأيام التي سبقت الهجوم، أُخلِي جميع الموظفين من الموقع باستثناء بضع مئات. وأولئك الذين بقوا ظلوا يعملون في نوبات عمل تدوم مئات الساعات تحت إشراف روسي، وغالباً دون استراحة لأيام أثناء محاولتهم الحفاظ على سلامة المحطة وتشغيل الأنظمة.
وقال كرامارينكو إنَّ معدات ومعلومات المحطة إما تعرضت للسرقة أو التدمير الممنهج.
الآن بعد عودته إلى السلطة، كان يتفقد بعض المعدات المسروقة المزودة بأجهزة تتبع نظام تحديد المواقع العالمي. ولا يزال بعضها ينقل بيانات الموقع.
وأوضح: “نرى أنَّ جزءاً منها يوجد في أراضي بيلاروسيا، على طول الحدود. وجزءاً يتحرك حول أراضي بيلاروسيا – غوميل ومينسك وأماكن أخرى”.
وعامةً، تُقدَّر تكلفة استبدال المفقودات بأكثر من 135 مليون دولار، لكن النظام البرمجي المسروق صُمِّم خصيصاً للمحطة، ولا يمكن استبداله.
وقال ميكولا بيسبالي، مدير المختبر التحليلي المركزي بالموقع، إنَّ بعضاً من أهم أعمال مختبره -التي تشمل مراقبة مستويات الإشعاع عبر منطقة الاستبعاد بحثاً عن علامات الارتفاع- يكاد يكون مستحيلاً من دونه.
وعاد عدد قليل من الفنيين إلى العمل، وأظهروا للصحفيين الزائرين مقاطع فيديو على هواتفهم التقطوها أثناء عودتهم إلى أماكن عملهم التي وجدوها في حالة من الفوضى الكاملة، وتحدثوا بصدمة وحزن عن كل قطعة اكتشفوها حديثاً من المعدات المدمرة.
قال ليونيد بوهدان، رئيس قسم قياس الطيف والكيمياء الإشعاعية بالمختبر: “أعمل هنا منذ 1 مايو/أيار 1986، وكل ما كنت أعمل عليه لمدة 30 عاماً خُرِب ونُهِب”.
وقد تواصل مع مسؤولي وكالة “روساتوم” في الماضي، حتى إنه سافر إلى موسكو في عام 2013 لحضور مؤتمر. ويشعر الآن بغضب شديد تجاه نظرائه الروس، الذين يتهمهم بتدمير تشيرنوبل بدافع الغيرة.
وأعرب بوهدان وبيسبالي وكرامارينكو عن شكوكهم في أنَّ مسؤولي “روساتوم” أخذوا البرامج أو المعدات من تشيرنوبل لأغراضهم الخاصة.
وقالوا إنَّ الروس سيعرفون أنهم لا يستطيعون استخدامها على أية حال، ولذا فإنَّ التفسير الأكثر ترجيحاً هو أنَّ التدمير كان عقابياً.
وتابعوا أنَّ الاحتمال الآخر هو أنَّ المسؤولين النوويين الروس بدأوا يصدقون دعاية الكرملين في الفترة التي سبقت الحرب، التي ادعت زوراً أنَّ أوكرانيا كانت تعمل مع القوى الغربية لتطوير سلاح نووي.
ورغم أنَّ المسؤولين في تشيرنوبل وجدوا أنه من الصعب تصديق أنَّ نظراءهم في “روساتوم” سيتجاهلون كل ما يعرفونه عن محطة تشيرنوبل -التي بناها أسلافهم السوفييت- لكنهم أقروا بقوة الدعاية الهائلة، خاصة في زمن الحرب.
يختم بيسبالي: “عندما رأيت الدعاية، ضحكت، رغم أنَّ الوضع ليس مضحكاً. تعمل زوجتي أيضاً في المختبر. فقط نظرنا إلى بعضنا البعض في صمت، لم تكن هناك كلمات تصف ما يحدث”.