نعم انه حمل كاذب، فلا وليد في الأحشاء، بل صياغات فارغة المحتوى.
فقد أعلنت وزارة النفط ان اجمالي إيرادات العراق من بيع النفط خلال الربع الأول من عام 2022 بلغ أكثر من 37 مليار دولار، فضلا عن ايرادات بيع نفط إقليم كردستان خلال نفس الفترة، والتي لا معلومات عن حجمها. وهذا يعتبر أعلى معدّل إيرادات نفطية منذ 50 عاماً.
وارتباطا بهذا قال وزير المالية علي علاوي ان “التعافي في أسعار النفط والإدارة المالية، ساعدا في أن يكون احتياطي العراق من العملة الصعبة بحلول نيسان أكثر من 70 مليار دولار”.
ويتوقع البعض أن يؤدي استمرار الوضع الحالي في سوق النفط إلى زيادة الاحتياطي الى أكثر من 100 مليار دولار بحلول نهاية العام 2022، وهو ما اعتبره عديدون “مستوى قياسيا للعراق”. علما ان وزير المالية قدّم عرضاً كمراجعة اقتصادية للوزارة وتوقعاتها لعام 2022، بيّن فيه أنه يتفق مع نظرة صندوق النقد الدولي المتفائلة.
علما ان توقعات أعدت في شهر نيسان الماضي اظهرت، حسب موقع شركة “ستاتيستا”، الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، ان هناك عشرة اقتصادات في العالم يتوقع أن تنمو بأعلى وتيرة في العام 2022، وإن الاقتصاد العراقي سيكون الثاني في قائمة هذه الاقتصادات، حيث سينمو بنسبة 9.5 في المائة هذا العام. وستسبقه في رأس القائمة غيانا، التي يتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة أكبر.
ومن المعلوم ان الأرقام الواردة اعلاه قد تكون صحيحة ولا مشكلة فيها، لكن السؤال هو: كيف يقاس النمو الاقتصادي لبلد ما ؟ فالأرقام المذكورة عن العراق سببها أولا هو نهب وسرقة المواطن العراقي عبر خفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي في كانون الاول 2020، حيث تمت سرقة 22 في المائة من رواتب المواطنين والمتقاعدين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك ارتفاع أسعار النفط الخام عالمياً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتوقعات تقليص الامدادات من النفط والغاز الروسيين الى الدول المستوردة، مما قد يرفع سعر البرميل الى أكثر من 120 دولارا.
وهذا يعني ان الأرقام المشار اليها بشأن النمو الاقتصادي في العراق، ليست ناتجة عن تطور حقيقي للانتاجين الصناعي والزراعي وغيرهما، وان النمو الذي تؤشره الارقام لم ينعكس على حال الفرد العراقي. فالواقع الاقتصادي للعراق يقول إن شعبه يواجه معاناة كبيرة ونسبة الفقر في ازدياد، وأن لا رعاية صحية تليق به، ولا مدارس كفوءة، ولا بنى تحتية جيدة، ولا كهرباء تسد الحاجة ولا ماء صالح للشرب في مواقع كثيرة، ولا تصريف للمياه مناسب، والأوساخ تملأ الشوارع. وهذا رغم ارتفاع أسعار النفط وازدياد عائدات الحكومة العراقية، ورغم الاستقرار المالي الذي يتحدثون عنه.
وفي المقابل نرى زيادة في أسعار المواد الغذائية، وتضخما كبيرا، وانحسارا للصناعة والزراعة، فيما مستويات الماء في انخفاض مستمر، وهناك مخاطر جدية بسبب الجفاف بل والعطش. وبجانب هذا تتزايد المولات الضخمة المملوكة للرأسماليين الجدد وبشكل غير طبيعي، والتي تتحول الى متنفس وحيد للعوائل العراقية، نتيجة غياب الحدائق العامة والمتنزهات الجديدة، والمراكز الاجتماعية الترفيهية والثقافية والرياضية التي يمكن للشباب والعوائل ان يقضوا فيها أوقاتا للراحة والترفيه.
بعكس ذلك نجد الأطفال في الشوارع وسط الحرارة اللاهبة يبيعون الماء أو الورق الصحي أو غيرهما بعيدا عن مقاعد الدراسة، ناهيك عن الآلاف المؤلفة من الخريجين العاطلين عن العمل، وأزمة السكن، ومشاكل الاختناقات في الشوارع لكثرة السيارات، ولتخلف الشوارع والتخطيط المروري القديم الذي لا يراعي الاعداد الهائلة من السيارات ولا الملايين من البشر، مما يضيع وقت الناس سدى وسط الازدحامات الشديدة.
ولابد من التأكيد ان هذا سيعطي المفسدين فرصا أكبر لممارسة السرقة، والأغنياء لزيادة أرصدتهم. أما المواطن البسيط فحتى الآن يعيش في دوامة تأمين رغيف الخبز لأبنائه وكيف يدفع فاتورة الكهرباء وفاتورة المولدة وتكاليف الايجار والدواء وغيرها.
أما على الصعيد الأمني والسياسي، فلا زالت خلايا داعش تقوم بأعمال عسكرية هنا وهناك مستفيدة من التخبط والركاكة في المنظومة الأمنية والتي سببها التخبط السياسي بالدرجة الأولى وهو الناجم عن سياسة المحاصصة سيئة الصيت. وها هي الأشهر تمر بعد الانتخابات ولم نر تشكيل حكومة قادرة على تحقيق ما طالبت الجماهير المنتفضة به وقدمت من أجله الشهداء والتضحيات..
ان أي نمو اقتصادي لا يحقق للمواطن أمنه ومستقبله وعيشه بكرامة هو نمو فاشل، بل هو مخادع، كما الحمل الكاذب، فهو مجرد انتفاخ سرعان ما “يفش” وينتهي كل شيء.